رحم الله الأستاذ عيسى أبو العز (الأول على اليمين بالبدلة)، فقد كان أول من وظفني للعمل في أثناء دراستي الجامعية.. كنت طالباً بالسنة الجامعية الثانية في كلية الهندسة، وكان عندي شغف بالانتاج التلفزيوني لكن لا امتلك الأدوات ولا أعرف ما يفعلونه حقيقة… ذهبت إليه، وأريته شغفي، استقبلني وبدأت العمل من اليوم التالي.. في فترة قصيرة أصبحت أحد الموظفين المؤثرين في التلفزيون (تلفزيون آفاق) وساهمت في احداث نقلات نوعية في مستوى الجرافيك والمونتاج، حيث قمت بتشغيل وحدة المونتاج البدائية وقتها لتحل مكان المونتاج اليدوي (non-linear video editing)، كما أنني نقلت البث من أشرطة VHS الى البث المباشر من الكمبيوتر بطريقة تشبه الى حد كبير ما كان يتم العمل به في الفضائيات (Automation) لكن بحجم امكانياتنا..
بعدها بعامين أو أقل قليلاً انتقلت الى تلفزيون نابلس، وزاد شغفي بالعمل في هذا المجال، وتفجرت طاقاتي، وتعلمت أكثر بحكم أن حجم تلفزيون نابلس كان أكبر من حجم تلفزيون آفاق، وخضت تجارب رائعة صقلت موهبتي وخبرتي خلال تلك الفترة، كنت أنتج البرامج، والأفلام الوثائقية، واذا لزم الأمر أحمل الكاميرا، وكنت أعمل دون حساب للوقت، ولا أحس بالتعب… وكنت أحاول الموازنة بين دراستي وعملي، وكان عملي على حساب دراستي نوعاً ما.. لكن ما العمل؟؟ لقد كان شغفي..
كنت وبكل فخر من أوائل (إن لم أكن الأول) من عمل بتصميم مواقع الانترنت في نابلس بشكل احترافي، بنظام البرمجة وليس بنظام النسخ واللصق، تعلمت البرمجة بنفسي دون أي مساعدة (أنا مهندس صناعي ولست مبرمج يا جماعة) وأنشأت أول نظام لإدارة المحتوى وكتبته سطراً سطراً.. وكان وقتها سحراً لأصحاب المواقع.. ولا يزال هذا السحر يتقدم الى يومنا هذا..
ما ميّز عملي هو أنني أبرمج بعقلية المهندس، ويا له من فضل عظيم أنني مهندس صناعي… فقد كانت هذه الميزة الأفضل لي في عملي كمبرمج، لقد بنيت حلولاً الكترونية أستطيع ذكر بعضها هنا، وبعضها أحتفظ به لأنه من أسرار عملي.. لكني أثق بقدراتي وأذهب بمن أعمل معهم الى مسافات متقدمة من التخيل والابداع.. كنت اللاعب الأساس لعدد كبير من المشاريع الناجحة على الانترنت، بعضها تعرفونه جيداً مثل موقع تلفزيون نابلس، طقس فلسطين، عيادة الأطفال، وغيره الكثير الكثير.. ما أعلن عنه ومما أفضل عدم الاعلان عنه لخصوصيته..أنا أول من أنشأ موقعاً الكترونياً لمدينة نابلس على الانترنت، ولا يزال يعمل لهذا اليوم، موقع غير ربحي ويهدف لتوثيق تاريخ وحاضر نابلس..
كنت قد انتويت منذ فترة أن اكتب عن هذا مصطلح (ريادي الأعمال entrepreneurship) وقد أجلت الكتابة لحين توارد الأفكار، لكن رؤية صورة الأستاذ أبو يوسف رحمه الله أعطتني المنطلق الذي سأبدأ منه.. فأنا شخصياً لا أرى في هذه الكلمة إلا فرصة لشركات الاستشارات والتدريب واصحاب المشاريع الممولة لجلب المزيد من التمويل وتنفيذ المزيد من المشاريع الممولة والمدعومة من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. ومع أنني لا أمتلك احصائيات دقيقة لعدد الشركات الريادية أو عدد رياديي الأعمال الذين نجحوا فعلاً وكانوا من مخرجات هذه الاحتفالات الريادية الصاخبة وحافظوا على نجاحهم… إلا أنني أجزم أن كل هذه الفعاليات لم تكن الا فعاليات استعراضية فاز منظموها بحفنة من الدولارات، وفاز المشاركون فيها من الرياديين ببعض الـ Show off ثم انتهى كل شيء اما بعد الحفل أو بعد فترة قصيرة..
عزيزي ريادي الأعمال.. لست بحاجة لهذه المسميات، ولست بحاجة لإضاعة وقتك وأنت تتنقل من اجتماع الى اجتماع ومن ورشة عمل الى أخرى، أو من حفلة صيد إلى أخرى (Head hunting) تعرفون قصدي… انا كنت رائداً في كل مكان عملت فيه، وفي عملي الخاص كنت كذلك ريادياً… ولم أفكر يوماً في هذا المصطلح، ولم أسع يوماً للمشاركة في أي ورشة، وأذكر أنني ولحاجة في نفسي ذهبت مرة الى فعالية لـ Google في رام الله قبل بضع سنوات والتقيت صدفة بأحد مدراء المؤسسات التي تحتضن (الرياديين)، الحقيقة كنت جالساً الى جانبه صدفة… سألني عن اسمي ولما أخبرته شهق وقال لي: وينك يا زلمة، من زمان بدنا ياك.. تعال عنا ومنحتضنك… الحقيقة لم نتفق على موعد ولم أكن مهتماً جداً بموضوع الاحتضان لأسباب وقيود خاصة. والحكمة من هذا الموقف، أنك لن تحتاج لحاضنة ولن تحتاج لمن يبيعك الوهم، ما تحتاج له عزيزي هو مزيد من الشغف، المزيد من التصميم، والمزيد من التحدي..
طبعأً بعض الأصدقاء سيعارضون ما أقول..أتفهم ذلك، وقد تجدون في ما أقول تناقضاً تنتقدوني منه، لكني أقول لكم، طعموا الشباب خبز أحسن ما تطعموهم حكي..
السؤال المهم: كيف ستكون ريادياً؟ 😀
التعليم الجيد (التعليم بدون معلم فيما تحب وليس فيما يحب الأهل وأساتذة الجامعة)، الموهبة، الارادة، التخطيط، الفرصة، عدم الالتفات للمحبطين، أن تعمل وحيداً، وأن تكون عملياً وتعمل بما يجلب المال.. المال هو الهدف.. ركز عليه..
أخيراً، وهذه على الهامش، تذكرت نصيحة وصلتني عن صديق، عن زميلة، تقول: لا تعمل في الظل أبدا، وهذه الملاحظة الهامشية فيها الكثير من الالهام، وشكراً لها ولصديقي الذي نقلها لي…