أنا من عشاق فصل الشتاء، برده ومطره، لي فيه ذكريات عزيزة سرعان ما تعود مع أول قطرة مطر. نحن في بيت العائلة نلتف في سهرتنا حول مدفأة الفريدمان، نشوي الكستناء أو نقحمش كسرة خبز أو فلقة جبن نابلسي. البرتقال فاكهة الشتاء، نختار الحبة الكبيرة غامقة اللون ونعطيها للوالد يقشرها لنا مع توصية بأن نستخدم أسلوب الاختيار عند شراء البرتقال من المحل (نقّيها زي ما بتحب تاكلها).
أمي، أحياناً، تذهب الى غرفة نومها وتعود حاملةً كيس المكسرات والمخلوطة، تكيل لكل منا حصته بفنجان القهوة الشفاف المفلطح، كان هذا الفنجان هو الرائج في ذاك الزمان. المطر له صوت يرقع على الاسبست وأثناء انسيابه على الأدراج.
في إحدى سنوات التسعينات جاء شتاء قارس أثلجت فيه ثلاث مرات، فاض الينبوع أسفل مسجد الروضة ونزلت مياهه الى الشارع، كانت سنوات بركة، أصوات الرعد والبرق تزلزل الأرض، صاعقة ضربت شجرة مجاورة سمعنا صوتها عندما كنا نتناول قلاية بندورة على طبلية صنعها الوالد من الألمنيوم لتبقينا في غرفة الجلوس وتجنبنا السفر الى المطبخ في مثل هذه الأيام.
اليوم أحضرت بناتي من المدرسة، تماماً كما كان يفعل أبي أو عمي أبو فراس في طقس مثل هذا، يطوف على مدارسنا ويأخذنا بسيارته الى البيت. في بعض الأحيان نعود تحت المطر، نصل البيت وقد اخترقت المياه ملابسنا وأحذيتنا.
أتمنى عند عودتي اليوم الى البيت أن أجد جاط شوربة العدس الساخنة مع عصرة ليمون فوقها وخبز جافر لأفتّه في الجاط مع زيتون أخضر وقرن بصل أخضر أو فجل مقرمش، شوربة العدس جزء من تقاليد الشتاء، تعدّها زوجتي على طريقة أمي أو أمها. نفس الطعم يذكرني أنني تناولتها مرة في بيت معلمتي وصديقة والدتي الست نجاة في يوم مثل هذا اليوم. لا يزال طعمها في فمي.
أخبار التلفزيون الاسرائيلي على السابعة ليلاً (السابعة ليلاً في تلك الأيام في ذلك الزمان كانت منتصف ليل)، ننتظر بشغف فقرة الحالة الجوية، ثم ننقلب الى التلفزيون الأردني، نتابع الأخبار وننتظر الحالة الجوية. نهاية الأخبار هي موعد النوم، نقف أمام المدفأة لنجمع المزيد من الدفء، في بعض المرات اصطلى بنطالي (من حرارة المدفأة)، وما إن تكتنز ملابسي بكثير من الحرارة أركض الى السرير المجهز سلفاً لكي أندس فيه. لحاف الصوف ووسادة الصوف وفرشة الصوف هي مكونات السرير في ذلك الوقت. ننام على أصوات الرعد والبرق، وقد تنقطع الكهرباء بضع ساعات نتيجة عاصفة أو صاعقة برق، فيشعل لنا والدي الشنبر لوكس الغاز.
نصحو من نومنا في الساعة السادسة صباحاً، نتجمع في غرفة الجلوس ووالدي يحاول المحافظة على القهوة ساخنة بوضعها على طرف المدفأة انتظاراً لوالدتي التي تُجهز نفسها للإنطلاق الى مدرستها في قرية الفندق المجاورة لقلقيلية. بعضنا يلبس أمام المدفأة، بعد تدفئة الملابس وتبخير الرطوبة منها.
الصف مكتظ بالطلاب، حرارة أنفاسهم كفيلة بتدفئة الصف، لكن بعض الأساتذة يتضايقون من رائحة الأنفاس فيطلبون فتح الشبابيك، في أيام الشتاء الغزيرة لم يكن هناك فرصة (استراحة) بعد الحصة الثالثة، كنا نستريح في الصف، ويحضر أبو سامر (مسؤول المقصف المدرسي) الى الصف معه كرتونة مصفوف فيها عشرات أنصاص الفلافل ليعرض على الطلاب شرائها. ويُتبعها بجولة أخرى للبسكويت المشلح مع رأس العبد. مصروفي بالمدرسة كان نصف شيكل، لعله ازداد في المرحلة الثانوية ليصبح شيكلاً واحداُ فقط.
أعود الى البيت جائعاً، أفتح الثلاجة لأكل ما فيه النصيب، أحياناً أجد صحناً فيه بقية من غداء الأمس فألتهمه بارداً، وأحياناً أجد بقية فطيرة القزحة أو الحلبة أو النمورة على الطاولة فأقضي على آخرها ان استطعت.
تعود أمي لتعد لنا الطعام، ونجتمع على الغداء من الجديد، لنعيد ما قمنا به يوم أمس.
أيام الشتاء جميلة بما فيها من دفء واجتماع والتفاف.. نتقاتل على المدفأة ومكان الجلوس، ومن سيتحكم بالتلفزيون…
أشواق هنغارية
أشتاق لرائحة الخبز المحمص في صالات المطارات، للحركة السريعة وأصوات الطائرات، لرائحة تسخين الوجبات الخفيفة والقهوة السريعة، ولضغط الأذن عند الاقلاع أو الهبوط..أشتاق لجرّ حقيبة السفر في صالات المطار، لشراء التذاكر وركوب القطار، لحجز الفنادق والتبضع في أسواق الفواكه والخضار.أشتاق لكثير من صور الغربة ليس لكي أعود لها ولكن لأنها كانت جزءاً مني طيلة أربع سنوات ماضية..أشتاق للمشي في شوارع غودولو الوادعة، وعلى ضفاف نهر الدانوب في بودابست، ولنسيم الغابة العليل وهدوء الطبيعة الجميل واطلالة نافذة غرفة نومي على الغابة خلف مبنى D في سكن الطلاب. هذا فصل الخريف، وفيه تتلون الأشجار لترسم لوحات جميلة انتظاراً لموسم الثلوج. بعض الأمطار تنتج عبقاً طيباً يزف إلينا قدوم الشتاء، وخنافس مزعجة تخترق نوافذي باحثة عن ملجأ، ورائحة الحطب تخرج من فوهات المداخن المنزلية، وتوصيات أستاذي لي بلبس كنزة اضافية وأن أترك الغرور فيما يتعلق بالحذر من برد هنغاريا.أشتاق للمخبز في آخر الشارع وفنجان قهوة على مقهى وسط غودولو أراقب منه الأطفال يلعبون في الحديقة المجاورة، وهذا عجوز خرج يمشي مع كلبه، وتلك سيدة تسحب عربة التسوق كأنها خرجت من فيلم سينمائي عن فترات الحرب العالمية الثانية وما قبلها.أشتاق لجولة في ريف هنغاريا الجميل، حيث المروج الجميلة وحقول الذرة والقمح والصويا ومراعي الأبقار والأغنام والخيول.أشتاق لأشعة الشمس تشق الطريق نحو مكتبي مخالفة نظريات استقامة الضوء في صباحٍ معتدل جميل مع كوب أميريكانو وقطعة الكرواسون أراقب خلال تناولها الحركة الخفيفة للطلبة والأساتذة كلٌ يسير الى محاضرته أو مكتبه.أشتاق لكل تفاصيل الغربة دون أي شوق للغربة نفسها. أنا أشتاق للسلام في تلك البلاد ولراحة البال وصفاء الذهن والهدوء والعمل والانجاز وقلة الكلام وانعدام الضغينة وراحتي من القيل والقال..
القيم المؤسسية..Institutional Values
تعتمد الشركات والمؤسسات العريقة منظومة متماسكة من القيم المؤسسية التي تحكم عملها، من أهم هذه القيم المؤسسية: “الشفافية، النزاهة، المساءلة، المساواة، المشاركة”
هذه القيم هي من أهم قيم الحكم الرشيد وممارستها تعزز قدرة المؤسسة على التنافسية والازدهار لأنها تعزز انتماء الموظف لمؤسسته وتعزز انتماء العملاء (الزبائن) لها من طرف آخر..
ولكي تصبح هذه القيم واقعاً مطبقاً فعلى المؤسسات أن تقوم بما يلي:
- تبنّي هذه القيم، أن تقوم المؤسسة بكتابة بيان أو نص يؤكد التزام المؤسسة بهذه القيم (نحن مؤسسة كذا نؤكد التزامنا بالقيم التالية…)
- أن تقوم بتعميم هذه الوثيقة (وثيقة القيم المؤسسية) على كافة الموظفين وأن تتطالبهم بالالتزام بها، وأن تؤكد أن المؤسسة بكافة مستوياتها ملزمون ومحتكمون لهذه القيم.
- أن تُعد وتطبق السياسات والاجراءات التي تضمن تطبيق هذه القيم، كيف سنضمن تطبيق قيمة المساواة مثلاً؟ “الموظفون في هذه المؤسسة متساوون بالحقوق والواجبات وفق أنظمة المؤسسة، لا تفريق بينهم بناءً على الدين أو اللون أو الجنس أو الانتماء أو الأصل.. كلهم سواسية عند التوظيف والتعيين وانتهاء الخدمات… (هذا مثال واحد فقط)
- أن تحدد الوسائل التي سيتم بناءً عليها ضمان التزام المؤسسة بهذه القيم، مثل أن يتم فحص آلية تعيين موظف جديد للتأكد أنها تمت وفق مباديء وقيم المؤسسة، من تكافؤ الفرص وشفافية عملية التقييم وهذا بحد ذاته يرسخ قيمة المحاسبة…
- أن يتم اتخاذ الاجراءات التي تضمن التراجع عن الأخطاء واعادة تصويب المسار في حال تم الخروج عنها، وأن يتم تحديث الاجراءات والسياسات التي تضمن عدم تكرار الخطأ…
كل ما تريد معرفته عن المنحة الهنغارية
سأقوم خلال الأيام القادمة ان شاء الله بتوثيق تجربتي في المنحة الهنغارية stipendium hungaricum في مقال شامل وكامل (فيما يتعلق بمرحلة ما بعد القبول والتي تشمل السفر والاستقرار)
أيام الحظر في غودولو
في البيت منذ ثلاثة أسابيع أو يزيد، حظر التجول هنا مرتبط جداً بوعي الناس وادراكهم لأهمية الالتزام بتعليمات الحكومة، الناس تخرج للتريض وتتسوق في المولات الضخمة بطريقة تحفظ المعايير الصحية، حتى الساعة 12 ظهراً المولات والمحلات متروكة لكبار السن من المتقاعدين أو من هم في حكمهم، بعدها يمكن لمن يرغب أن يدخل للتسوق.
تسير في الشارع متوجهاً لشراء بعض الحاجيات فترى سيدات يعملن على تنسيق حدائق الجامعة، وبعض العمال يمارسون أعمال البناء والصيانة.. المطاعم والمقاهي مغلقة ولكن المطاعم الكبيرة مثل ماكدونالدز وKFC تعمل بالتوصيل أو drive thru.
التعليم الالكتروني يسير بسلاسة لكن بعض الزملاء الطلبة يشتكون من بعض القضايا التقنية والفنية، الأداء ليس بمستواه الأفضل لكن على الجميع التعامل مع هذه الظروف ولا يوجد تأنيب أو تشكيك في هذا الظرف. الحكومة هنا مسؤولة عن الجامعات وتوفر منصة متقدمة لمتابعة التعليم الالكتروني وهو منصة فعالة جداً لكن جامعة واحدة لا تستطيع توفير بنية تحتية لمثل هذا النظام.
في النهاية يعجبني في هذا البلد قلة الجدل والتذمر والتركيز دوماً على التفكير بالأهم، طيلة سنوات اقامتي لم أتحدث أو يحدثني أحد عن سوء الأحوال الجوية، ولم أشاهد نقاشاً على قرار تتخذه الجامعة أو الحكومة أو أي حدث استثنائي أو غير استثنائي.. الناس تهتم بما يهم.. القيل والقال ليس لها مكان..
في الشارع لا يوجد مظاهر مبالغ بها أو استثنائية، أشتاق لزيارة بودابست وصلاة الجمعة في مسجد بودابست الكبير، وفنجان قهوة في مقهى السلطان مع الأصدقاء، أو وجبة من مطعم في نهاية يوم اجازة، أو جلسه مجاورة للجسر الاخضر للتمتع برؤية الدانوب وهذا الربيع الاستثنائي.
في هذا الحجر الاختياري “والمسؤول” أشتاق أيضاً للوطن والأهل والأصدقاء، خططت لقضاء رمضان في نابلس، وكنت وعدت سلوى بالعودة في رمضان، الكثير من المشاريع المعلقة في البيت كان يمكن انجازها في هذه الاجازة الاجبارية. لعله خير..!
لكنني أحاول انجاز مشاريع برمجية متأخرة وأقضي وقتي في العمل هنا من البيت..
نسأل الله أن يحفظ أوطاننا وبلادنا وكل العالم من هذا المرض الخبيث وأن يعافي من أصيب به..
غودولو 13 نيسان، 2020
الابتزاز عبر الانترنت
من المؤسف أن يستمر العديد من الناس بالوقوع بالخطأ الذي حذرنا منه مرات ومرات على الفيسبوك وبمقالات ومقابلات.. اذا بنت ضافتك على فيسبوك أو سكايب وخضت معها محادثة وصلت لحد انك تخلع ملابسك أمامها على الكاميرا، إعرف انك ضحية مثل مئات أو آلاف الضحايا المماثلين بالعالم.. ضحية عملية ابتزاز قد تستمر الى الأبد وتدفع اللي فوقك واللي تحتك ولن يتوقف أو فضيحة اجتماعية قد تكون قاتلة…
في بلاد الله الواسعة وقع بهذه الحفرة أساتذة جامعيين وأصحاب مناصب رفيعة وموظفين وشباب صغار وكبار وأحياناً فتيات.. الأكثر أسفاً وقوع شيخ أو رجل دين أو شخصية مجتمعية محترمة بهذه الحفرة النجسة..
من ناحية المبدأ دعوني أوضح بعض النقاط (بدون خجل وبشكل مباشر):
أولاً: اذا كنت ضحية من الضحايا لا سمح الله:
1. اعرف ان في مثلك كتير ناس.. وان هذه ليست نهاية الكون.. وستمر هذه الأزمة بخسائر ولكن هي أزمة من ضمن أزمات حياتك.. حاول تقليل الخسائر من خلال مصارحة الدائرة القريبة منك أولاً… أعطيهم فرصة يمسحوا بكرامتك الأرض قبل أن يسمعوها من الناس..
2. أنت جزء من مجتمع منافق بعضه مستور وأنت انفضحت بسبب بلاهتك وغباءك.. المجتمع المنافق يمكن الاستدلال عليه من مراجعة أعلى المواقع تصفحاً في فلسطين وستجد عدداً من المواقع الاباحية ضمن الأعلى تصفحاً في فلسطين.. وبالتأكيد منهم شباب مراهقين ومتزوجين غير راضين عن حياتهم الجنسية..ومنهم الجامعي والجاهل والمتدين والصايع والضايع..!
3. من يعايرك أو سيعايرك سيكون له أيضاً مغامرات لكنه حالياً مستور ولكن من يسهم بالفضيحة سوف ينفضح بيوم من الأيام بطريقة أو بأخرى وسيتمنى الستر الذي كشفه هو لغيره.. (أستر على الناس ربنا بيسترك)
4. لا تخضع للإبتزاز تحت أي ظرف.. بالنهاية سيتم فضح الفيديو عندما يصل الابتزاز لنقطة النهاية، اذا كنت ذكي فعليك أن لا تنكسر أو تظهر ضعفك وعليك أن تواجه الخصم بعدم مبالاة وبالعكس أن تقول لهم: ابعتولي نسخة HD أعرضها لأصدقائي يشوفوني..
5. اتبع الاجراءات التالية:
أ. اقطع كل قنوات التواصل مع الجهات التي تبتزك
ب. قم بإغلاق حساباتك على كافة وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وسكايب والايميل) اغلاق وليس خروج وترك الحساب فاعلاً..
ج. كن يقظاً بحيث اذا تم نشر فيديو فقم بالابلاغ عنه لحذفه أولاً بأول..
د. شارك مشكلتك مع أقرب الناس لك وحاول أن تطلب منهم المسامحة لأن كل ابن آدم خطاء.. فتش عمن يمكن له معاونتك دون اذلالك، صديق مقرب ليس بينكم سر..
هـ. لا تستسلم للإبتزاز حتى لو نشروه لك في كل محفل..
و. اذا انتشر الفيديو أنشر توضيحاً واعتذر لنفسك واستغفر ربك واعتذر للناس
ز. أنت بالنهاية رقم بالنسبة للعصابة التي تبتزك، بمجرد أنهم وصلوا لقناعة بصعوبة الوصول لك واستمرار ابتزازك فسيتركونك بحال سبيلك والحالات التي يتم نشر فيديوهاتها هي حالات قليلة وغالباً لشخصيات مشهورة لإخافة بقية الناس..
تخيل ان كل عصابة لديها 100 زبون بشكل مستمر ومش فاضيين يتابعوك ورح يفتشوا على غيرك.. لذلك لا تستسلم وتمالك نفسك..
ثانياً: اذا لم تكن ضحية ولكي لا تقع بهذا الوحل:
1. لا تقم باضافة أصدقاء لا تعرفهم على فيسبوك
2. لا تخلع ملابسك تحت أي ظرف أمام الكاميرا
3. لا تفتح فيديو مع اي شخص لا تعرفه شخصي (تكرار لنقطة 1+2) عشان التكرار بعلم الشطار
4. اعلم أن من مروا بهذه التجربة وصل بهم الضيق لدرجة التفكير بالانتحار، لا تحرق نفسك وعائلتك وأهلك بنزوة عابرة..
5. لازم مجتمعنا يحكي بصراحة بهذه القضايا وعلى المنابر وعلى وسائل الاعلام، استمرار تجاهل هذه المشكلة يزيد من عدد الضحايا
6. مؤخراً يتم ترويج تطبيقات مزورة للفيسبوك والواتساب، وهذه التطبيقات مصممة للإختراق، يعني حتى لو كنت تحكي مع حدا بتعرفه ممكن يكون في طرف ثالث بسجللك، ولذلك تأكد انك منزل النسخ الرسمية من التطبيقات من مواقعها الرسمية، وأيضاً لا تقم بتثبيت برامج غير معروفة الناشر.. فقط من خلال متجر الأندرويد الرسمي..
أخيراً وليس آخراً: من يقوم بعملية التصوير والابتزاز هم عرب من دول عربية أخرى، وهم مافيا ويستعملون عاهرات ووسائل تكنولوجية للتصوير والابتزاز.. ناس متخصصين وعارفين شو بيعملوا، ولذلك خليك صاحي ولا تعمي قلبك!
بين الحانة والمانة ضاعت فلسطين
حدثني جدي رحمه الله، وفي ذاكرتي الكثير من قصصه العظيمة، عن الصراع الذي نشب بين المجلسيين (جماعة “سيف الدين الحج أمين” قصده عن الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى) والمعارضين (جماعة النشاشيبي) في عموم فلسطين في منتصف الثلاثينات، في فترة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية التي كانت تسعى لإقامة كيان صهيوني على أرض فلسطين.
حيث أقامت المعارضة مهرجاناً خطابياً انتخابياً حاشداً في منزل أحد العائلات النابلسية العريقة الواقع في شارع بليبوس (حكى لي الاسم وأتحفظ عليه)، وقد طلب زعيم المعارضة وقتها من المُقريء الشيخ قراءة آيات من القرآن الكريم في افتتاح المهرجان الخطابي.. وقد كانت هذه الآيات بعد “بسم الله الرحمن الرحيم”:
(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) سورة نوح)
في اليوم التالي واثناء جلوس المقريء في أحد المجالس، واذا بالمرحوم (أتحفظ على اسمه أيضاً) زعيم المجلسيين يَقرصه من أذنه ويقول له: “لمين قرأت هذه الآيات؟؟، احنا الـكفار؟” فارتبك المُقريء وقال له: هيك زعيم المعارضة حكالي أقرأ..
فرد زعيم المجلسيين (وهو من عائلات نابلس العريقة أيضاً) أنه سيدعو الى مهرجان انتخابي خطابي غداً وعليه الحضور لقراءة الآيات الافتتاحية، حتى لا يتم احتساب المقريء على أي طرف، وقبل المقريء الفاضل (وإسمه عندي ايضاً رحمه الله)..
في اليوم التالي قرأ المقريء الآيات التالية بناءً على تعليمات زعيم المجلسيين: “وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) سورة الأحزاب”
وبين الفصيلين الكبيرين وقتها.. وتوظيف الوطنية والخطابات الرنانة وآيات القرآن المُحكمة، ضاعت فلسطين.. وكما يقول المثل: “بين حانة ومانة ضاعت لحانا”.. ولا حول ولا قوة إلا بالله
بودابست الجميلة..
بودابست تأسرني بجمالها، بنظامها وترتيبها، بأناقتها وردائها الطبيعي الفتّان..طُفت عواصم أوروبية عديدة، لم أجد لها مثيلاً، هي ليست حديثة كما باريس أو بروكسل، وليست قديمة كما أثينا وأمستردام، لكنها تجمع بين الحداثة والعراقة، بمبانيها الغنية بالتراث، وشوارعها الجميلة الأنيقة، وأرصفتها العريضة، وسكك قطاراتها الممتدة، ومرافقها الرائعة.
وسط بودابست هو مركز جمالها، حيث يلتقي السياح ويسيرون على كورنيش الدانوب، يجلسون على ضفافه أو يقطعون جسوره التاريخية التي يحمل كل جسر فيها قصة إنشائه، تتجول في هذه المنطقة دون ملل، تستطيع التنقل في المترو لكن التنقل بالباص أو الترام أجمل، وتعبر الدانوب على ظهر عبّارة هي ضمن نظام المواصلات الداخلي في بودابست.
لا عجب أن المجر كانت مملكة، وأن قصورها تحمل تاريخاً من الإعتزاز والفخر، وشعبها يحمل الكثير من الكبرياء. عاشت تحت الاحتلالات ثم هي الآن تنهض وتتغير كل يوم، ترتبط بشبكة مواصلات واسعة ودقيقة، وتتزين في كل مناسبة احتفالية.. شعبها مغرم بالاحتفال والسهر والشرب، يعيشون يومهم بسعادة غامرة ولا ينخرطون بحياة معقدة سريعة كباقي الدول الاوروبية.. بودابست تسير بإيقاعها الخاص، ومن فيها هادئون مطمئنون.
أما الدانوب فيقسمها نصفين، بودا و بست.. جزء يحافظ على التاريخ وجزء اختار طريق الحداثه، وعلى ضفة الدانوب يقع مبنى البرلمان، يمكنك الاقتراب منه والتجول في ساحاته، ويمكنك الدخول الى حرمه الداخلي. الى جانبه شبكة من الفنادق العالمية الخمس نجوم، ومقاهي وجلسات صيفية جميلة.
تنتشر في بودابست التماثيل والمجسمات، تخلد قادتها وتاريخها أو تحمل لمسة جمالية في مكان جميل، وعلى احدى الهضاب المطلة على الدانوب جلسات هادئة في احضان الطبيعة التي تتميز بها بودابست عن كثير من العواصم الأخرى.
هنغاريا..
السلام عليكم ورحمة الله،
أغيب وأغيب ومن ثم يعود بي الحماس للكتابة في مدونتي التي تكبر كل عام كما نكبر نحن، يبدو أن الفيسبوك أخذنا بعيداً عن التدوين، وأصبحنا نستسهل النشر فيه، لكن النشر هنا أدوم ويستقطب قرّاءا أكثر وسهل الرجوع.
منذ عام ونصف إلا قليلاً بدأت تجربة جديدة في حياتي، فقد حصلت على منحة لمتابعة تعليمي في دولة المجر (أو هنغاريا)، وقد التحقت بالجامعة لدراسة الدكتوراه في الهندسة، وفي تخصصي الذي لطالما أحببت وهو ادارة الجودة، وسأحدثكم لاحقاً في مقالات منفصلة عن مجالات الدراسة والتعليم في هنغاريا وعن الحياة فيها لمن يرغب الاستفادة.
أعيش حالياً في قرية تسمى “غودولو – Godollo” وهي قرية ريفية جميلة قريبة جداً الى بودابست عاصمة المجر، وترتبط معها بخط قطار سريع، بحيث نصل اليها في ظرف أربعين دقيقة.
وسأبدأ هنا بالتدوين في هذا التصنيف، عملاً بنصيحة أسداها لي صديقي علاء مع أني كنت أتجنب ذلك فيما مضى، وأترك لكم بعض الصور وسأقوم تباعاً باضافة المزيد مع المقالات الكاملة، المهم أنني أفتتح في مدونتي، ولو متأخراً، تصنيفاً جديداً بعنوان “أيامي الهنغارية”
ذكريات “تلفزيون آفاق” وما بعده
رحم الله الأستاذ عيسى أبو العز (الأول على اليمين بالبدلة)، فقد كان أول من وظفني للعمل في أثناء دراستي الجامعية.. كنت طالباً بالسنة الجامعية الثانية في كلية الهندسة، وكان عندي شغف بالانتاج التلفزيوني لكن لا امتلك الأدوات ولا أعرف ما يفعلونه حقيقة… ذهبت إليه، وأريته شغفي، استقبلني وبدأت العمل من اليوم التالي.. في فترة قصيرة أصبحت أحد الموظفين المؤثرين في التلفزيون (تلفزيون آفاق) وساهمت في احداث نقلات نوعية في مستوى الجرافيك والمونتاج، حيث قمت بتشغيل وحدة المونتاج البدائية وقتها لتحل مكان المونتاج اليدوي (non-linear video editing)، كما أنني نقلت البث من أشرطة VHS الى البث المباشر من الكمبيوتر بطريقة تشبه الى حد كبير ما كان يتم العمل به في الفضائيات (Automation) لكن بحجم امكانياتنا..
بعدها بعامين أو أقل قليلاً انتقلت الى تلفزيون نابلس، وزاد شغفي بالعمل في هذا المجال، وتفجرت طاقاتي، وتعلمت أكثر بحكم أن حجم تلفزيون نابلس كان أكبر من حجم تلفزيون آفاق، وخضت تجارب رائعة صقلت موهبتي وخبرتي خلال تلك الفترة، كنت أنتج البرامج، والأفلام الوثائقية، واذا لزم الأمر أحمل الكاميرا، وكنت أعمل دون حساب للوقت، ولا أحس بالتعب… وكنت أحاول الموازنة بين دراستي وعملي، وكان عملي على حساب دراستي نوعاً ما.. لكن ما العمل؟؟ لقد كان شغفي..
كنت وبكل فخر من أوائل (إن لم أكن الأول) من عمل بتصميم مواقع الانترنت في نابلس بشكل احترافي، بنظام البرمجة وليس بنظام النسخ واللصق، تعلمت البرمجة بنفسي دون أي مساعدة (أنا مهندس صناعي ولست مبرمج يا جماعة) وأنشأت أول نظام لإدارة المحتوى وكتبته سطراً سطراً.. وكان وقتها سحراً لأصحاب المواقع.. ولا يزال هذا السحر يتقدم الى يومنا هذا..
ما ميّز عملي هو أنني أبرمج بعقلية المهندس، ويا له من فضل عظيم أنني مهندس صناعي… فقد كانت هذه الميزة الأفضل لي في عملي كمبرمج، لقد بنيت حلولاً الكترونية أستطيع ذكر بعضها هنا، وبعضها أحتفظ به لأنه من أسرار عملي.. لكني أثق بقدراتي وأذهب بمن أعمل معهم الى مسافات متقدمة من التخيل والابداع.. كنت اللاعب الأساس لعدد كبير من المشاريع الناجحة على الانترنت، بعضها تعرفونه جيداً مثل موقع تلفزيون نابلس، طقس فلسطين، عيادة الأطفال، وغيره الكثير الكثير.. ما أعلن عنه ومما أفضل عدم الاعلان عنه لخصوصيته..أنا أول من أنشأ موقعاً الكترونياً لمدينة نابلس على الانترنت، ولا يزال يعمل لهذا اليوم، موقع غير ربحي ويهدف لتوثيق تاريخ وحاضر نابلس..
كنت قد انتويت منذ فترة أن اكتب عن هذا مصطلح (ريادي الأعمال entrepreneurship) وقد أجلت الكتابة لحين توارد الأفكار، لكن رؤية صورة الأستاذ أبو يوسف رحمه الله أعطتني المنطلق الذي سأبدأ منه.. فأنا شخصياً لا أرى في هذه الكلمة إلا فرصة لشركات الاستشارات والتدريب واصحاب المشاريع الممولة لجلب المزيد من التمويل وتنفيذ المزيد من المشاريع الممولة والمدعومة من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. ومع أنني لا أمتلك احصائيات دقيقة لعدد الشركات الريادية أو عدد رياديي الأعمال الذين نجحوا فعلاً وكانوا من مخرجات هذه الاحتفالات الريادية الصاخبة وحافظوا على نجاحهم… إلا أنني أجزم أن كل هذه الفعاليات لم تكن الا فعاليات استعراضية فاز منظموها بحفنة من الدولارات، وفاز المشاركون فيها من الرياديين ببعض الـ Show off ثم انتهى كل شيء اما بعد الحفل أو بعد فترة قصيرة..
عزيزي ريادي الأعمال.. لست بحاجة لهذه المسميات، ولست بحاجة لإضاعة وقتك وأنت تتنقل من اجتماع الى اجتماع ومن ورشة عمل الى أخرى، أو من حفلة صيد إلى أخرى (Head hunting) تعرفون قصدي… انا كنت رائداً في كل مكان عملت فيه، وفي عملي الخاص كنت كذلك ريادياً… ولم أفكر يوماً في هذا المصطلح، ولم أسع يوماً للمشاركة في أي ورشة، وأذكر أنني ولحاجة في نفسي ذهبت مرة الى فعالية لـ Google في رام الله قبل بضع سنوات والتقيت صدفة بأحد مدراء المؤسسات التي تحتضن (الرياديين)، الحقيقة كنت جالساً الى جانبه صدفة… سألني عن اسمي ولما أخبرته شهق وقال لي: وينك يا زلمة، من زمان بدنا ياك.. تعال عنا ومنحتضنك… الحقيقة لم نتفق على موعد ولم أكن مهتماً جداً بموضوع الاحتضان لأسباب وقيود خاصة. والحكمة من هذا الموقف، أنك لن تحتاج لحاضنة ولن تحتاج لمن يبيعك الوهم، ما تحتاج له عزيزي هو مزيد من الشغف، المزيد من التصميم، والمزيد من التحدي..
طبعأً بعض الأصدقاء سيعارضون ما أقول..أتفهم ذلك، وقد تجدون في ما أقول تناقضاً تنتقدوني منه، لكني أقول لكم، طعموا الشباب خبز أحسن ما تطعموهم حكي..
السؤال المهم: كيف ستكون ريادياً؟ 😀
التعليم الجيد (التعليم بدون معلم فيما تحب وليس فيما يحب الأهل وأساتذة الجامعة)، الموهبة، الارادة، التخطيط، الفرصة، عدم الالتفات للمحبطين، أن تعمل وحيداً، وأن تكون عملياً وتعمل بما يجلب المال.. المال هو الهدف.. ركز عليه..
أخيراً، وهذه على الهامش، تذكرت نصيحة وصلتني عن صديق، عن زميلة، تقول: لا تعمل في الظل أبدا، وهذه الملاحظة الهامشية فيها الكثير من الالهام، وشكراً لها ولصديقي الذي نقلها لي…