أطلقَ في قاعة التدريب رائحة الكرواسون وأطلق معها صفحات من ذكرياتي، أعادتني الى صباح يوم سبت جميل من صباحات غودولو الرائعة، حيث أخرج متجولا ساعياً لفنجان قهوة في مركز المدينة الريفية الساحرة، عابراً حديقتها الجميلة نحو المركز في طريق لا تسمع فيه إلا زقزقة الطيور وقرع نقار الخشب يحفر في سيقان الأشجار باحثاً عن لقمة أو ملجأ، وضحكات الأطفال يلاعبون كلابهم ويتسابقون على دراجاتهم في يوم إجازة عادي لطيف.
تجلس على طاولة المقهى في وسط المدينة تشاهد الناس يقودون عربات التسوق نحو سوق ريفي بدائي نظيف، تعرض فيه نسوة الريف بضع كيلوات من العنب الأسود الحلو ذو الحبة الصغيرة، وبعض الجوز والذرة والكستناء والجبن البلدي الأبيض والعسل وغير ذلك من منتجات أنتجنها من حديقة البيت.

تتباطأ في رشف قهوتك لتقضي وقتا أطول على طاولة المقهى تتقمص شخصية شاعر أو مؤلف يبحث عن إلهام في ساحة لا تكتظ بكثير من الناس لكنها مجللة بالسلام وبعض السكان المتصالحين مع مجتمعهم وأنفسهم لا يشغلهم في يوم اجازتهم شيء.
في أربع سنوات، هي مدة دراستي، انتقل معظم أصدقائي الى صخب المدينة (بودابست) بينما فضلت البقاء في هدوء غودولو، ملتصقاً بالحرم الجامعي وفنجان القهوة في وسط ساحة المدينة ومخبوزاتها اللذيذة. ولا أستثقل أبداً من التنقل في القطار بضع مرات أسبوعياً بين العاصمة ومكان سكني للقاء الأصدقاء أو لكسر روتين الحياة. لقد وظّفتُ الطريق لمزيد من الهدوء وأنا أنظر من نافذة القطار فأرى مروجاً ومزارع وبيوتاً ريفية جميلة عليها مدخنة لم أكن أراها إلا في رسوم الكرتون.
سريعاً أعود من ذكرياتي على صوت زميلي ينبهني للبدء بعرض ما لدي، استدركت بسرعة، لكن نصّ هذه التدوينة قد كُتب وحان وقت النشر.
