مررتُ من أمام كشكه فترة طويلة، كان يبادلني السلام صباحًا أثناء توجهي لعملي، ومساءً عندما أعود. أخجلني سلامه المتواصل حتى وقفتُ يومًا وقررت أن أشتري منه فنجان قهوة. كانت قهوة عادية، لكنها كانت بداية حكاية تعارف مع رجل مكافح من هذا الزمان.

نشأت بيننا علاقة طيبة، تطورت كلما وقفتُ عنده وتجاذبنا أطراف الحديث. علمتُ منه أنه قام بتدريس أبنائه في الجامعة، إحداهن درست التمريض ولا زالت تبحث عن عمل. وهو يكدّ لأجل تعليم أبنائه، فلا يغادر كشكه منذ الصباح وحتى ساعات المساء.

تطورت علاقتنا مع كل فنجان قهوة، وصار يميزني “أحياناً” بما يقدّمه لي، وصار يعرف مذاق قهوتي ويعتني بإعدادها.

يبدو أن رجلًا من قريته قرر أن يفتتح كشكًا مقابلاً له. أعجبني جوابه عندما سألته عن رأيه، فقال لي بعفوية: “الناس بتفكّر أن الرزق بالمكان، وأنا بظن إن الرزق على الله”.

قاطعته منذ فترة؛ فقد ربطتٌّ بين آخر فنجان قهوة شربته منه ومغص شديد لازمني عدة أيام. أمرّ من أمامه مرتين في كل يوم، لا أشتري منه حالياً، لكنه استمر في طرح السلام عليّ. وقد طال زمن المقاطعة، فصار، وكأنه بسلامه، يعاتبني كلما مررت.

اليوم، وأنا عائد من عملي، أشرتُ له كالعادة مسلّما، فكان ردّه باهتا باردا، وكأنه قد يئس مني…

هل أعود لأشتري منه؟