سأخرج هذا الصباح من بيتي باكرًا، إذ يصلني صديق قادم من فيينا إلى محطة Kelenföld، وهي آخر محطات المترو الرابع في بودابست، وتُعدّ أيضًا نقطة التقاء الحافلات الأوروبية الشهيرة مثل FlexBus.

صديقي هذا رحّال فلسطيني الأصل، تعرّفت عليه منذ مدة عبر فيسبوك. يعمل في مجال الإعلام، ولم يسبق لنا أن التقينا وجهًا لوجه. كان لقاؤنا الأول اليوم، حيث استقبلته ثم رافقته إلى فندقه ليضع أمتعته، قبل أن ننطلق معًا في جولة سياحية أصبحت معتادًا على القيام بها مع الزوار القادمين لاكتشاف جمال العاصمة الهنغارية.

تنقّلنا بين أماكن عديدة وركبنا المترو والترام. ركبنا الترام رقم 1 والذي يُعد من أقدم خطوط الترام في بودابست، بل ومن أوائل الخطوط في أوروبا (وربما في العالم). يمتد بمحاذاة نهر الدانوب، فيتيح للراكب مشاهدة أبرز معالم المدينة: مبنى البرلمان، القلاع، مباني الجامعات، والجسور التاريخية التي تربط ضفتي النهر. ومن هناك، اصطحبت صديقي إلى سوق Nagycsarnok الشهير في محطة Fővám tér، وهو أقدم وأكبر سوق داخلي في بودابست. وهو سوق جذاب، مرتب ونظيف يضم أقساماً متعددة. ففي الطابق الأرضي تباع الخضروات والفواكه الطازجة والبقالة والمعلبات وغيرها. في الطابق الثاني تقدم الوجبات للسياح ومنها طبق اللانجوش (عنوان التدوينة) وتباع التذكارات الصغيرة للسياح بأسعار مرتفعة.

تناولنا طعام الافطار والذي كان اللانجوش (Lángos) وهي أكلة تراثية هنغارية لذيذة كنتُ أحرص في نهاية كل أسبوع أن أتناولها أثناء توجهي إلى العاصمة بودابست في أحد الأماكن على جانب الطريق بعد وصول القطار من غودولو (Godollo) وقبل توجهي الى المكان الذي سأقصده في بودابست.

لم أرَ أحدًا يتذوقها إلا وأبدى إعجابه بها، فهي أكلة طيبة ومشبعة، تشبه إلى حد ما الزلابية التي نعرفها في فلسطين، ولكن الفارق أن الهنغاريين يقدّمونها بطريقة مختلفة تجعلها مميزة للغاية.

اللانجوش عبارة عن عجينة بسيطة من الدقيق والخميرة والحليب تُترك لتختمر، ثم تُفرد على شكل أقراص وتُقلى في الزيت حتى تصبح ذهبية اللون وذات قرمشة محببة. بعد ذلك تبدأ الإضافات: يُدهن سطحها بخليط الثوم مع عصير الليمون، ثم يوضع فوقها الزبادي أو القشطة الحامضة (Sour Cream)، وتُرش بجبنة صفراء مبشورة من الأجبان الهنغارية المشهورة. والنتيجة مزيج رائع يجمع بين الطراوة والقرمشة والنكهات الغنية.

تقدّم اللانجوش في هنغاريا في المطاعم أو على عربات الطعام المتنقلة (في الشوارع) وفي المعارض وفي الأماكن والفعاليات الترفيهية.

ما يميّز هنغاريا أيضًا هو ثراؤها الكبير في صناعة الأجبان. كنتُ إذا دخلت أي متجر هناك، أمشي أمتارًا عديدة أمام ثلاجات ممتلئة بعشرات الأنواع من الأجبان المختلفة، البيضاء والصفراء، الطرية والمدخنة. ولأن هنغاريا بلد زراعي بالأساس، فإن منتجاتها الغذائية تحمل دائمًا طابع الأصالة والارتباط بالأرض.

عموماً، سأكتب لاحقاً لكم عن المطبخ الهنغاري وهو مطبخ ثري من أعرق مطابخ أوروبا، ولن أقتصر على الطعام الذي كنت أتناوله، لكن سأكتب لكم عن الطعام الذي لا نستطيع تناوله نظراً لمكوناته المحرمة علينا نحن المسلمين.