استلقيت على سريري استعدادًا للنوم بعد يوم هندي جميل. وضعت رأسي على الوسادة، شيئًا ما لفت انتباهي… شيء بني اللون يتسلق ستائر الغرفة بهدوء. حدقت قليلاً لأدرك أن ما أراه لم يكن إلا فأرًا يتسلق على الستائر!

نهضت فورًا وأضأت الغرفة وبدأت أبحث عنه بين الزوايا، حتى لمحته يتجول في زقاق الغرفة. اتجهت إلى هاتف الغرفة واتصلت بالاستقبال. رد عليّ موظف الاستقبال بلكنة انجليزية هندية:

“5 minutes sir, I’m coming.”

انتظرت عشر دقائق… لم يأت أحد. عاودت الاتصال، فأكد لي أنه بالطريق. بعد لحظات، طرق الباب عامل من عمال الفندق، أولئك العاملين الفقراء البسيطين الذين يعملون لقاء منامهم وأكلهم فقط (السخرة). جاء العامل يحمل شيئًا صغيرًا بيده. سألته: “ما هذا؟”
ابتسم بهزّة رأسه الهندية المعروفة:

“Sir, the mouse will eat this, he sleep, you sleep, in z morning, we come and take him.”

فتحت فمي لما سمعت الاقتراح 😲 وقلت له: “أنا لا أستطيع النوم وهناك فأر في غرفتي!”
طلبت منه أن يحضر عصًا لطرده. ذهب وغاب قليلاً، ثم عاد يحمل عصا رفيعة بالكاد تصلح لإزاحة ورقة! وبدأ يحدث جلبة في الغرفة، لعل الفأر يخرج بسلام دون اراقة الدماء… كان الفأر وكأنه يلعب… يتنقل بخفة من ركن إلى آخر.

😠 نفد صبري، فانتزعت العصا من يد العامل وبدأت أضرب بشدة في كل زاوية. وفجأة، رأيت الفأر يتسلل إلى حافة النافذة، فضربته بالعصا فهرب منها قافزًا إلى الشارع.

طلبت من العامل تغيير جميع أغطية السرير والوسائد، وبينما كنت أراجع ما حدث، تذكرت التفاح المأكول في الأيام الماضية، وكنت أحمّل المسؤولية للعمال عن ذلك وقتها ولا أشكو بطبيعة الحال. الآن أدركت أن الفأر كان ضيفي منذ أيام، وربما شاركني الطعام بصمت طوال فترة إقامته.

في صباح اليوم التالي، نزلت إلى الاستقبال، فاستقبلني الموظف بإشارة إلى لوحة خلفه عليها فيل وفأر صغير، وقال لي بلغة إنجليزية مكسّرة:


“We don’t kill rats sir… they are gods.”

تفاجأت، ولأن الفضول لا يزول بسهولة، سألتُ إحدى الزميلات الهنديات لاحقًا عن سبب تقديسهم للفئران، فضحكت وقالت لي إن الأمر يرتبط بإله يُدعى “غانيش”، أحد أبرز الآلهة في الديانة الهندوسية. يتم تصوير غانيش بجسم إنسان ورأس فيل، وهو إله الحكمة والذكاء والبدايات الجديدة، ويُعتقد أنه يزيل العقبات من طريق الناس. ما أثار دهشتي أكثر أن الغانيش لا يتنقل وحده، بل يمتطي عربة يجرّها فأر! نعم، في المعتقد الهندوسي، الفأر يُعتبر وسيلة تنقّل هذا الإله، ويُعرف باسم “موشيكا” أو “موشاك”، ويُنظر إليه كرمز للتغلّب على العقبات مهما كانت كبيرة أو مزعجة، تمامًا كما يتسلل الفأر ويشق طريقه في الظلام.

الجميل في ختام هذه القصة، أن صديقاً من منغوليا كان يستمع لنقاشنا.. وللزميل طريقة في الكلام بطبيعتها تبدو كوميدية، فضلاً عن أن زميلنا يمتلك حس دعابة جميل.. قال لي:

They have to pay you back some money, they rented you a single room, but since you have a guest (double room), they must pay you back!

الهند.. بلاد الغرائب والعجائب..