وأنا استمع الى احدى الاذاعات المحلية صباح هذا اليوم، كانت هناك مقابلة مع أستاذ متخصص بقضايا الكسوف والخسوف، لفت انتباهي لهجته بإلقاء نصائحه، وكأنه يتحدث عن جرم سماوي سيسقط على سطح الأرض في منطقة فلسطين بالتحديد وسيؤدي الى فناء الحياة عليها، وتسائلت متى سنعطي الأمور حجمها الحقيقي؟ ومتى سنصل الى مرحلة النضوج الإعلامي ونخرج من سن المراهقة الاعلامية؟

ليس في هذا الموضوع بالذات فالمراهقة في طرح الأمور، هي احدى خصائص المجتمع الفلسطيني فعلى سبيل المثال تناولت كل وسائل الاعلام مسألة انفلونزا الطيور، والقى الأطباء مواعظهم بشكل مكثف جداً، وساهم المسؤولون مساهمة قوية جداً في مكافحة انفلونزا الطيور (اعلامياً) ولما وصلت انفلونزا الطيور الى المنطقة وقفنا متأثرين بهول الصدمة (لا استعدادات تذكر)، يبدو ان جبهة فلسطين في مواجهة مرض انفلونزا الطيور هي جبهة (اعلامية).

في جميع أنحاء العالم لا تتوقف الحياة (لا لموت زعيم، ولا لمولده) الا في فلسطين، فإذا كانت هناك اشاعة لمسألة ما، يعلن المواطنون الاستنفار ويهبون لشراء مايلزم من أطعمة ومواد، ويظهر الارتباك في جميع مناحي الحياة وفي داخل المنزل وخارجه.

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ردود فعل الناس على مسألة الكسوف، وسأبدأ بأقاربي، فمنذ الصباح وزوجتي مرتبكة من الكسوف وتقنع بي أن لا أخرج اليوم من المنزل كي لا أتأثر من الكسوف، وأقسمت عليّ ألا أنظر الى الشمس، اتصلت بي احدى قريباتي لتلغي عزومتي على الغداء، خوفاً من الكسوف – لا خروج من المنزل – ، بعض جيراني لم يرسلوا أبنائهم الى المدرسة – خوفاً من الكسوف – ، طلاب الجامعة – جامعة النجاح – منزعجين لعدم تعطيل الجامعة للدوام في هذا اليوم التاريخي الخطير -، قرار وزارة التعليم “العالي” العتيد ، تعطل المدارس بعد الحصة الثالثة (اذا كانت وزارة العلم تخيفنا بهذه الطريقة من الكسوف)، وسائل الإعلام منذ الصباح تتناول موضوع الكسوف وكأن اجتياحاً على الطريق…..

لماذا يتم تضخيم الأمور بهذه الطريقة؟ هل الكسوف خطير الى هذا الحد، أذكر قبل عدة سنوات عندما حصل كسوف كلي في معظم مناطق العالم ومنها فلسطين، أعلنت مؤسسات البحث العلمي والجامعات والباحثين في جميع أنحاء العالم – باستثناء فلسطين – ، عن فتح المجال للتطوع والمساعدة في اجراء أبحاث تتعلق بهذه الظاهرة الطبيعية ومراقبة نتائجها على النبات والحيوان والبحار ومراقبة النجوم، أما نحن فجلسنا في بيوتنا خائفين وأغلقنا النوافذ والستائر وبقينا في البيت حتى عادت الأمور الى طبيعتها، بل أذكر أنني وأخي كنا نحتفظ بسمكة صغيرة في نافورتنا في ساحة المنزل، وخرجنا ووضعناها في مرتبان به ماء وأدخلناها الى داخل المنزل خوفاً عليها.

فإلى متى سنظل نحاصر أنفسنا بأنفسنا ونضيق نطاق تفكيرنا السليم ونطلق العنان لتفكيرنا الغبي، بأن نجلس في بيوتنا ونغلق نوافذ عقولنا ونترك العالم يبحث في هذه الظاهرة من منظور علمي ونحن نتطلع الى العطلة في يوم الكسوف؟

أخيراً… فللعلم فقط، لايوجد في فلسطين كلها مرصد فلكي واحد، وفي كسوف اليوم سيستطيع المرء وبالعين  المجردة رؤية كواكب كالزهرة والتي تعتبر كواكب منيرة وبعض النجوم كالنجم اليماني، فلماذا نضيع فرصة رصد هذه الكواكب على أطفالنا وطلاب مدارسنا ونطلب منهم التزام البيوت؟ وما الحكمة أصلاً من تعطيل الدوام يا”وزارة” التربية والتعليم؟

الجهل عدونا الحقيقي، ونحن كمتعلمين لنا دور كبير في الخروج من هذه الحالة المؤسفة التي نعيشها وأن ننطلق بصفتنا من أكثر شعوب العالم تعلماً بعيداً عن التخلف والغباء وعلى وسائل اعلامنا أن تلعب دوراً ايجابياً في تناول المواضيع وأن نتعلم وسائل وطريقة طرح وتناول القضايا العلمية اعلامياً، لا أن نتعامل مع الأخبار بنبرة واحدة تشبه تلك التي نتحدث بها عند وجود اجتياح لجيش الاحتلال لإحدى المناطق…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *