هذه هي المرة الأولى التي ألمس فيها احتفال الناس بمناسبة رأس السنة، نحن المسلمون لا نحتفل بهذه المناسبة، وفي نابلس نكتفي بالاحتفال بالعطلة في هذا اليوم.

في الهند التحضيرات للإحتفالات تسبق يوم الاحتفال الكبير بأيام، زينة وأضواء، اعلانات عن سهرات، الكل يسأل الكل أين ستحتفل بالعام الجديد… لكن أنا لم أضع في تفكيري سوى يوم العطلة الذي أشتاق اليه نظراً لحاجتي لمزيد من النوم.

أيام العطلة الأسبوعية هي السبت والأحد، ويوم الثلاثاء هو يوم العطلة بمناسبة العام الجديد، وعندما تقابل أحداً يبادرك التهنئة بالعام الجديد…

ما ان دَخَلت الهند في الظلام، حتى بدأ الناس بالتجمع في الساحات والأماكن العامة، خرجنا أنا ومالك لنتمشى في جولة أخيرة لنا قبل مغادرة مالك عائداً الى سوريا، بلد اقامته..

أعداد غفيرة من رجال الشرطة، وتجمعات بالمئات لهم، كما أن الاجراءات الأمنية مكثفة، لم نفهم ماذا يحصل، لكن في الفندق أخبرونا أن الشعب الهندي مع حلول منتصف الليل يصل الى ذروة سكره، وقد ينتج عن ذلك الكثير من الاشكاليات، ولذلك فإن قوات الأمن تقوم بالتجمع قبل فترة كافية لكي تتدخل في حال وقوع أي اشكاليات.

دُعينا الى حفلة صاخبة نظمها الفندق، تداولت الأمر في نفسي وكان قراري النهائي أن لا أذهب، افتقدت صديقي بدر، وهو شاب سوداني يكبرني ببضعة أعوام ويعمل في وظيفة كبيرة في مؤسسة حكومية سودانية، طبعاً معالم الابتهاج بدت على الجميع، وجميع الزملاء من كل أنحاء العالم، جاهزون للرقص والشرب حتى الثمالة، خرجت بعد العشاء من مطعم الفندق الذي سيقام به الحفل وتوجهت الى غرفتي، وحاولت الاتصال ببدر والذي تبين أنه اختار البقاء في غرفته أيضاً، دعوته وجلسنا نتبادل بعض الأحاديث وتطرقنا الى احتفالات هؤلاء الناس، وتواصلنا كلانا مع الأهل من خلال الانترنت المتوفر في غرفتي.

اتصلت بصديق هندي لي أستعين به في بعض الأمور الخاصة بعملي واستغرق الوقت منه ما يقارب خمسة دقائق لكي يتذكرني، ليس لأني لا أتحدث معه بل لأنه كان ثملاً لدرجة أنه لم يكن يستمع لحديثي، وبعد أن تدخل صديقه نصف السكران للتعرف اليّ اعتذر مني وأخبرني أنه ثمل ولا يستطيع الحديث الآن.

خرجت وبدر من غرفتنا متوجهين الى الشارع، وكان ذلك قبل منتصف الليل بقليل، وتجولنا لنرى رجال الشرطة المستنفرين والذين كانوا يأخذون وضع الاستعداد لمجرد رؤيتنا من بعيد، ظنّاً منهم أننا قد نكون من مثيري الشغب الثمالى. وصلنا الى قاعة الفندق التي صخبت بها الموسيقى، ودخلنا لنلقي نظرة، وجدنا بضعة شباب ذكور لا اناث بينهم، يرقصون وهم ثملون بطريقة غريبة، وخرجنا وقررنا العودة الى غرفتنا خاصة أننا بدأنا نحس أن أثر الشرب بدأ يظهر على كل الهند، فالسيارات المسرعة والسائقون السكيرون، والشوارع وعصابات مثيري الشغب صارت تشكل خطراً على كل عاقل في هذه الليلة.

في اليوم التالي التقيت بصديق هندي، وكان يضع نقطة حمراء على رأسه، ولعل بعضكم يتساءل ما هذه النقطة التي يضعها الهنود؟ الحقيقة أن لها معنى لا أعرفه لدى المرأة، لكن عند الرجال، فإن صباح الرجل الهندي يبدأ بالمرور على المعبد والقيام ببعض الطقوس التي تنتهي بمباركة رجل الدين الهندوسي وقيامه بوضع النقطة على رأس الرجل.

لقد بدا أن هذا الهندي قد ارتكب الكثير من المعاصي والآثام في هذه الليلة، وهو أصبح عند الآلهة التي يعبدونها (والتي سأخصص لكم مقالاً خاصاً عنها) لكي تتجاوز له عن سيئاته، وتتناسى ما فعل.

كنت قد افتقدت مالك منذ الليلة الماضية، والحقيقة أنه لم يعد الى غرفته حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وهي الساعة التي توقفت فيها عن البحث عنه، ومع طلوع الفجر، ولمعرفتي أن موعد سفره هو مع طلوع الفجر، خرجت للبحث عنه حيث لم يكن موجوداً في غرفته، وذهبت الى الفندق المجاور فقد يكون مغادراً منه، وفي النهاية وجدته يأخذ لفة الوداع في شوارع الحي الذي نسكن فيه، ويلقي النظرة الأخيرة على آخر صباح هندي له، بعد ليلة لم يبدو أنه رأى النوم فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *