منذ اللحظة الأولى لخروجي من فلسطين، قررت أن أكتب وقائع تجربتي الهندية، وسفري الى الهند في أول تجربة لي خارج الوطن، الحقيقة أنني فعلت الكثير للحصول على هذه الرحلة، وجاء القبول فيها في وقت حرج جداً بالنسبة لي، وكونها التجربة الأولى لي خارج الوطن، ولكونها تجربة قلما يحصل عليها أحد، فقد قررت تدوينها لحفظ ذكرياتي أولاً، ولعلي أستطيع توفير شيء يمكن لمن سيخوض التجربة بعدي الاستفادة منها.وصلت الى الهند في رحلة شاقة مررت فيها برحلة المشقات التي يمر بها كل فلسطيني يخرج من فلسطين الى الأردن، محلقاً في الطائرة الى الهند، وبدأت بكتابة مدوناتي وتجاربي وسأستمر بكتابتها الى أن أغادرها عودة الى الوطن…

من نابلس الى الأردن

نحن في فلسطين عموماً نفضل السفر مبكراً، لكن ليس لنصل مبكراً، بل لكي نستطيع الوصول متأخرين قليلاً، ولذلك قررت الخروج قبل موعد الطائرة بيوم، لتجنب أي طاريء يمكن أن يحصل، ولكي أزور شقيقتي التي تعيش في الأردن، وكعادتنا نحن العرب وحفاظاً على تقاليدنا العربية، “تأخر السائق” الذي يفترض به ايصالي الى الجسر على نهر الأردن، وحضر أخيراً ولم ينوّه لنا أو يعتذر عن تأخيره، ونحن لم نسأله طبعاً، لأننا نعرف التقاليد التي نتحلى بها دوماً..!وصلنا الى الجسر لتبدأ المعاناة، ففي كل دول العالم عندما يسافر انسان من دولة الى أخرى، فإنه يجب أن يمر بسلسلة اجراءات ترتبط أساساً ببلد المغادرة أو بلد الوصول، لكن نحن في فلسطين نمر بثلاث سلاسل تبدأ من الفحص لدى المعابر الفلسطينية، ثم الى الفحص الاسرائيلي، ومنه الى الفحص الأردني.وفي ثلاثة هذه المراحل تحس بصعوبة الظروف التي يمر بها الانسان الفلسطيني، ولتلخيص ما حصل أكتفي بالقول أنني قضيت عابراً من فلسطين الى اسرائيل أكثر من عشر ساعات، أمضيت ثلاثة أرباعها لدى المنطقة الفلسطينية والأردنية. وشاهدت فيها ما يجعلك تكره فكرة كونك عربياً من الأساس…

رحلة الطائرة

المرة الأولى التي أركب فيها هذا الطائر الحديث، عشرات الاشخاص من كل الألوان والأجناس، ولكل منهم سببه الخاص للرحيل، يركبون الطائرة، أعجبت كثيراً بمطار الملكة علياء الدولي، وبمستوى النظام والترتيب والنظافة، الحقيقة أن المطار هو واجهة البلد التي يمكنك من خلاله معرفة المكان الذي وصلت اليه أو خرجت منه، علماً أنني لم أشاهد عمان “العاصمة” والتي يقال أنها أصبحت جميلة.المهم أنني ركبت الطائرة، وانطلق بنا قائدها الى أعالي السماء لتشاهد عمان من فوق والأردن، وليغدو سطح الأرض في ظلمة الليل وكأنك تنظر الى وعاء من المجوهرات اللامعة، لآليء من كل الألوان، ورحلتنا التي طالت خمس ساعات مرّت من فوق دولة عُمان وعاصمتها “مسقط”، وقد شدتني بروعة أضوائها وكأن رساماً ماهراً قد رسمها ورسم فيها بعض البقع السوداء المظلمة والتي كان البحر يغطيها، ثم وجدت نفسي أستسلم للنوم لأصحو على صوت قائد الطائرة يخبرنا بقرب موعد وصولنا، ولأتجاذب الحديث مع الرجل الجالس الى جانبي، وهو فلسطيني يعيش في عكا المحتلة ويحمل جواز سفر اسرائيلي، ويبدو أنه من رجال الدعوة والتبليغ، وقد تحادثنا عن طبيعة الحياة في الهند، كونه قد سافر مراراً اليها، ونصحني بزيارة الأحياء الاسلامية في الهند في حال رغبت بتناول اللحوم المذبوحة على الطريقة الاسلامية، فضلاً عن بعض النصائح التي تعلمها من زياراته المتكررة هناك.في المطار كان هناك شخص بإنتظاري، وقد أركبني بسيارته التي يجلس فيها السائق على اليمين بعكس النظام المتبع في فلسطين والمنطقة العربية، فالهند كانت مستعمرة بريطانية، ولا زالت السيارات فيها تقاد من اليمين، وبعكس حركة السير التي نعرفها، ما لفت انتباهي في الهند هو معالم الفقر التي تستطيع ان تدركها منذ اللحظة الأولى لخروجك من الطائرة، رجال شرطة نحيلون، متعبون، عاملون يحملون الفقر فوق جبينهم وتلتصق ظهورهم ببطونهم، فقراء ينامون في أرض المطار وعلى جوانب الشوارع، فضلاً عن الخيام التي تستطيع رؤيتها على امتداد الطريق من المخيم الى الفندق…

الفندق..

وصلت الى الهند مع قرب بزوغ فجر جديد،  تستطيع رؤية استمرار الحياة حتى بعد انتصاف الليل هناك، ودخلت الى الفندق، وانتقلت الى غرفتي، بساطة الفندق لا تجعله قابل لعد النجوم، باستثناء نجوم الظهر التي يمكن عدها طيلة وقت بقاءك في غرفتك، بناء قديم، وغرفة لا تستطيع البقاء فيها للحظة، لكن نعاسي الشديد جعلني أستلقى دون عدّ النجوم لأدخل في نوم عميق وأستعيد عافيتي بعد هذا السفر المتعب.

image004.jpg

 في الصباح خرجت الى الشارع لرؤية حال الهند، وشاهدت حالاً لا يمكن أن تتوقعه في بلد تستقطب الناس للحضور اليها، ولعل الوزارة التي دعتنا الى الهند أخطأت بمكان الفنادق، أو لعلها أرادت أن تبرهن لنا أن الدولة التي يشكل عدد سكانها سدس العالم، وتبلغ حصتها من اجمالي انتاج العالم في مجال تقنية المعلومات أكثر من أربعين بالمئة، تعاني أيضاً من أزمة الفقر، الناس فقيرون جداً ضعيفون جداً، لكنهم طيبون ورقيقون جداً، خدومون جداً، ويرحبون بالضيف…مشيت قليلاً أبعد من بوابة الفندق، ذهبت الى الشارع الرئيسي في المنطقة التي أقيم فيها، ووجدت أشياءً أراها لأول مرة في حياتي، الناس لا يركبون الكثير من السيارات، ومركبتهم الأساسية هي أقدامهم، ثم  تأتي الدراجة الهوائية، ويأتي بعدها الدراجة النارية التي يمكن أن أقول أن الهند تمتلك العدد الأكبر منها في العالم حسب تقديري، الآلاف منها تسير في الشوارع، كما أن المواطنين قاموا بتطويرها لتصبح على شكل سيارة بثلاثة دواليب، يركب بها اضافة الى سائقها راكبين من الخلف، وهي تحمل لوحات ترخيص شأنها شأن باقي المركبات، بالاضافة طبعاً الى أن الدراجات الهوائية تحمل لوحات ترخيص، لأنها تصنف على أنها مركبة ميكانيكية تعبر الطريق

.يبدو أن مظهري يكشف بسهولة أنني أجنبي وغريب عن البلاد، هذا ما يتقن معرفته متسولوا الهند-وهم كثر جداً- وبدأو بالزحف نحوي عشرات وآحادا… بعضهم يتقن فنّ الشحادة لدرجة أن أماً تحمل طفلاً لا يتجاوز الثلاثة أعوام، بدأت تطرح عليّ السلام بالعربية: “السلام عليكم، ساعدني، الله يعطينا” وابنها المحمول بدأ يلوح بيديه قائلاً: “سلام أليكم”…هربت عائداً الى الفندق، وفضلت أن أقضي المزيد من الوقت في غرفتي لعلي أستوعب الصدمة التي حلّت بي، غرفة أقل ما يقال عنها أنها مقرفة، وفي الخارج أماكن لا أستطيع تجاوزها والسير بها… والأمر مؤسفٌ جداً…كنت قد سألت عامل الفندق الذي حمل لي حقيبتي ان كانت تتوفر لديهم خدمة الانترنت، وتبين لي أنه لا يعرف ما معنى الكمبيوتر بالنهاية، تشاءمت جداً، وازداد تشاؤمي عندما وجدت أنا مداخل الكهرباء المتوفرة لديهم ليست كتلك الموجودة في بيتي في فلسطين، اذ أنني لن أستطيع الاتصال بالأهل لأطمئنهم عليّ، وعندما عدت حاولت تجاوز المشكلة الأخيرة وهي مشكلة الكهرباء، وقد وجدت أن العاملين في الفندق أناس لطفاء ومتعاونون، ويحملون همّ الضيف على رؤوسهم، وبسرعة هبّ لمساعدتي في تغيير وصلة الحاسوب الى النوع المتوفر في الفندق، واستطعت بعد جهد أن أشعل الحاسوب المحمول الخاص بي، لأتفاجأ بوجود الانترنت اللاسلكي في المنطقة، لكن الخدمة غير ثابتة، تأتي وتتقطع، أول ما فعلته هو محاولة الاتصال بالأهل، وبالفعل فقد نجح، وسارت الأمور على ما يرام، وبدأت أحس بالتحسن من هذه الناحية. بالنسبة لي الانترنت أهم من الطعام وغيره، فهو المتنفس الذي يمكنني الخروج اليه في هذا الظرف العصيب…بعد الظهيرة، عدت وخرجت وحاولت التحادث مع مسؤول الفندق، هو يتقن اللغة الانجليزية، لكن شأنه شأن كل الهنود، يتكلم الانجليزية بلهجة هندية، وأعطاني بعض التعليمات للسلامة، وللطعام، والخدمات، وكان كل شيء على مايرام، سألته ان كان لي زملاء، فقال لي: نعم هناك العديد منهم، وقسم كبير منهم هم عرب من سوريا والعراق والأردن ولبنان، بالاضافة الى بلدان أخرى، وشعرت بالراحة وانتظرتهم لحين عودتهم في الليل، واذ بي أتعرف على مالك…

مالك شاب فلسطيني الأصل، يعيش في سوريا، ويعمل موظفاً حكومياً، استقبلني عندما رآني في المطعم في وقت العشاء بحفاوة شديدة، وكأنه يشتم عبق الوطن من خلالي، وهو شاب متفاعل جداً، صديق الجميع، ويمكن القول أنه قائد الفريق الذي يسبقنا، سألني عن الأحوال وأخبرته بحالي السيء، وقام بتوجيه بعض النصائح لي، ووعدني أن يرافقني في اليوم التالي لبعض الأماكن لتعريفي بها.تحسنت معنوياتي قليلاً مع مالك، وأحسست بشيء يشدني لهذا الشاب الأديب والناصح، وعدت الى الغرفة بعد العشاء مباشرة، وعملت لبعض الوقت ونمت لصباح اليوم التالي…

لا توجد أراء حول “يوميات هندية – رحلة الى الهند”
  1. والله يا ابو السماسم اني مبسوط كتير لانك بالهند
    بجد هاي خطوة رائعه وانشالله بترجع للوطن وانت بخبرة اوسع واكبر لانك بجد خبرة يفتخر بها الوطن
    دير بالك ع الاصدقاء السوريين اللي معك هدول من ريحة الشام بضللو عزيزين كتير

  2. صحيح التجربة صعبة وخاصة على الجسر , بس انت لها يا طيب …الله يوفقك يا (أبوالسيم) وترجع سالم غانم مرفوع الراس . وبتحكيلنا شوية هندي (:

  3. مسا الخير ابو حنان………
    دير بالك على حالك في الهند وجبلنا معك شوية بهارات هندية خلنا نتعرف عليها شخضيا
    بالتوفيق والله يرجعك بالسلامة
    واكتب وصور كتير في الهند خلينا نتعرف عليها

    الله معك
    خالد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *